فصل: باب ما جاء في أكل اللحم

/ﻪـ 
البحث:

هدايا الموقع

هدايا الموقع

روابط سريعة

روابط سريعة

خدمات متنوعة

خدمات متنوعة
الصفحة الرئيسية > شجرة التصنيفات
كتاب: الاستذكار لمذاهب علماء الأمصار فيما تضمنه الموطأ من معاني الرأي والآثار ***


باب ما جاء في أكل اللحم

1740- مالك عن يحيى بن سعيد أن عمر بن الخطاب قال إياكم واللحم فإن له ضراوة كضراوة الخمر قال أبو عمر هذا يدل على أن الخمرة من ابتلى بها قل ما يقلع عنها ولا يتوب منها‏.‏

وأما اللحم فسيد الإدام وهو غاية التنعم والرفاهية ويروى عن النبي صلى الله عليه وسلم من حديث عبد الله بن جعفر بن أبي طالب وقد ذكرناه في التمهيد أنه قال سيد إدام الدنيا والآخرة اللحم وأمر رسول الله صلى الله عليه وسلم بالوليمة ولو بشاة وقال لا تقطعوا اللحم بالسكين على الخوان فإنه من فعل الأعاجم وكان صلى الله عليه وسلم يأكل اللحم وكان يعجبه لحم الذراع وروي عنه صلى الله عليه وسلم أنه قال أطيب اللحم لحم الطير وقال سفينة أكلت مع رسول الله صلى الله عليه وسلم لحم حبارى وكان عمر - رضي الله عنه - مخشوشنا في أكله ولباسه وكذلك في كتابه إلى أهل البصرة إياكم والتنعم وزي العجم واخشوشنوا وكان حريصا على أن تكون رعيته تقتدي به في الزهد في الدنيا والرضا بخشونة العيش وقد روي عنه أنه قال في بعض خطبه على المنبر ولا تأكلوا البيض فإنما البيضة لقمة فإذا تركت صارت دجاجة ثمن درهم‏.‏

1741- مالك عن يحيى بن سعيد أن عمر بن الخطاب أدرك جابر بن عبد الله ومعه حمال لحم فقال ما هذا فقال يا أمير المؤمنين قرمنا إلى اللحم فاشتريت بدرهم لحما فقال عمر أما يريد أحدكم أن يطوي بطنه عن جاره أو بن عمه أين تذهب عنكم هذه الآية ‏(‏ اذهبتم طيبتكم في حياتكم الدنيا واستمتعتم بها‏)‏ ‏[‏الأحقاف 20‏]‏‏.‏

قال أبو عمر روي هذا الخبر عن عمر من وجوه منها ما ذكره سنيد قال حدثني معتمر بن سليمان التيمي عن أبيه قال أبصر عمر بن الخطاب جابر بن عبد الله قد علق لحما بيده فقال ما هذا قال قرمنا إليه قال وكلما اشتهى أحدكم شيئا أكله ألا يطوي بطنه لجاره وضيفه أين تذهب عنكم هذه الآية ‏(‏أذهبتم طيبتكم في حياتكم الدنيا واستمتعتم بها‏)‏ ‏[‏الأحقاف 20‏]‏‏.‏ قال سنيد‏.‏

وحدثني جرير عن عمارة بن القعقاع عن أبي زرعة بن عمرو قال دخل عتبة بن فرقد على عمر في السحر وهو يكرم كعكا شاميا ويتفرق لبنها فقال يا أمير المؤمنين لو أمرت بطعام من لبن فصنع لك قال يا بن فرقد ألست أقدر أحياء العرب على طعام واحد قال عتبة نعم ما أجد أقدر على ذلك منك قال إني سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يذم قوما فقال ‏(‏أذهبتم طيبتكم في حياتكم الدنيا واستمتعتم‏)‏ ‏[‏الأحقاف 20‏]‏‏.‏

قال بن جريج وقتادة بلغنا عن عمر أنه قال لو شئت كنت أطيبكم طعاما وألينكم لباسا ولكني أستبقي طيباتي قال أبو عمر هذا طريق الزهد في الدنيا وقد رضي الله ذلك من عباده إذا كانت رغبة في الآخرة وإيثارا لها وإن كان قد أباح الطيبات وهي الحلال وقال عز وجل‏)‏ اليوم أحل لكم الطيبت‏)‏ ‏[‏المائدة 5‏]‏‏.‏ وقال ‏(‏قل من حرم زينة الله التى أخرج لعباده والطيبت من الرزق‏)‏ ‏[‏الأعراف 32‏]‏‏.‏

فأكل اللحم المباح حلال ومن السنة والشريعة ذبح الغنم ونحر البدن والأكل منها وإطعام القانع والمعتر فأكل ما حل من اللحم وغيره مباح وأكل ما حرم لا يحل خشنا كان أو غير خشن إلا أن من يترك الدنيا حبا في الآخرة نال في الآخرة أعلى درجة وما التوفيق إلا بالله قال أبو عمر ظاهرة الآية يدل على أنها في الكفار قال عز وجل ‏(‏ويوم يعرض الذين كفروا على النار أذهبتم طيبتكم في حياتكم الدنيا‏)‏ ‏[‏الأحقاف 20‏]‏‏.‏

ولكن فعل عمر وقوله فعل أهل الزهد وقولهم روينا عن عمر - رضي الله عنه - أنه قدم عليه ناس من أهل العراق منهم جرير بن عبد الله البجلي فأتاهم بجفنة قد صنعت بخبز وزيت وقال لهم كلوا فأكلا أكلا ضعيفا فقال لهم عمر قد أرى أكلكم أنكم تريدون الحلو والحامض والحار والبارد كل ذلك قذفا في البطون وروى سفيان بن عيينة عن أبي فروة عن عبد الرحمن بن أبي ليلى قال قدم ناس من أهل العراق على عمر فرآهم يأكلون أكلا ضعيفا فقال يا أهل العراق لو شئت أن يدهن لكم لفعلت لكنا نستبقي من دنيانا ما نجده في آخرتنا أما سمعتم الله تعالى يقول ‏(‏ أذهبتم طيبتكم في حياتكم الدنيا واستمتعتم‏)‏ ‏[‏الأحقاف 20‏]‏‏.‏

ذكره أبو بكر وغيره عن بن عيينة وروى بن وهب عن عمرو بن الحارث عن سعيد بن أبي هلال عن موسى بن سعد عن سالم بن عبد الله أن عمر بن الخطاب كان يقول والله ما نفي بلذات الدنيا أن نأمر بصغار الماعز فتسمت لنا ونأمر بلباب الحنطة فيخبز لنا ونأمر بالزبيب فينبذ لنا في الأسقية حتى إذا صار مثل عين اليعقوب أكلنا هذا وشربنا هذا ولكنا نريد أن نستبقي طيباتنا لأنا سمعنا الله يقول لقوم ‏(‏أذهبتم طيبتكم في حياتكم الدنيا‏)‏ الأحقاف 20‏.‏

وأخبرنا عبد الوارث قال حدثني قاسم قال حدثني جعفر قال حدثني جرير بن أبي حازم قال حدثني الحسن أن عمر قال إني والله لو شئت لكنت من ألينكم طعاما وأرقكم عيشا إني والله ما أجهل كذا أو كذا ولكني سمعت الله تعالى عير قوما بأمر فعلوه فقال ‏(‏أذهبتم طيبتكم في حياتكم الدنيا واستمتعتم بها‏)‏ ‏[‏الأحقاف 20‏]‏‏.‏

قال أبو عمر في الآية الجزاء بعذاب الهون على الكفر والفسق لا على أكل اللحم والحلال بين والحرام بين والزهد في الدنيا من أرفع الأعمال إذا كان على علم وسنة والله المستعان وقد ذكر الدولابي في كتابه في فضائل مالك قال قال الزبير بن بكار حدثني إسماعيل بن أبي أويس قال كان لمالك في لحمه كل يوم درهمان وكان يأمر طباخه كل جمعة يعمل له ولعياله طعاما كثيرا قال وكان له طباخ يقال له سلمة قال‏.‏ وحدثني مطرف بن عبد الله قال كان مالك - رحمه الله - لو لم يجد درهمين يبتاع بهما لحما كل يوم إلا أن يبيع في ذلك بعض ‏(‏متاعه‏)‏ لفعل قال وكانت تلك وصفته في لحمه‏.‏

باب ما جاء في لبس الخاتم

1742- مالك عن عبد الله بن دينار عن عبد الله بن عمر أن رسول الله صلى الله عليه وسلم كان يلبس خاتما من ذهب ثم قام رسول الله صلى الله عليه وسلم فنبذه وقال لا ألبسه أبدا قال فنبذ الناس خواتيمهم قال أبو عمر أما خاتم الذهب فقد مضى القول فيه وأن رسول الله صلى الله عليه وسلم نهى عن التختم بالذهب وأنه كان يتختم به ثم نبذه ونهى عن التختم به فالتختم به منسوخ والمنسوخ لا يحل استعماله حدثني يعيش بن سعيد وعبد الوارث بن سفيان قالا حدثني قاسم بن أصبغ قال حدثني محمد بن غالب التمتام قال حدثني عمرو بن مرزوق قال حدثني شعبة قال حدثني قتادة عن النضر بن أنس عن بشير بن نهيك عن أبي هريرة أن رسول الله صلى الله عليه وسلم نهى عن خاتم الذهب وممن روى عن النبي صلى الله عليه وسلم النهي عن التختم بالذهب عبد الله بن مسعود وعبد الله بن عمرو بن العاص رضي الله عنهم قال أبو عمر هذا للرجال دون النساء ولا خلاف بين العلماء أن التختم بالذهب جائز للنساء وقد جاء في كراهيته للنساء حديث شاذ منكر ذكرته في التمهيد كما أنه قد روى بن شهاب الزهري عن أنس بن مالك أن رسول الله صلى الله عليه وسلم اتخذ خاتما من ورق ثم نبذه ونبذ الناس خواتمهم ورواه جماعة من أصحاب بن شهاب عنه كذلك وهذا عند أهل العلم وهم وغلط وشذوذ من الرواية‏.‏

وأما الذي نبذه رسول الله صلى الله عليه وسلم خاتم الذهب على ما في حديث بن عمر حدثني عبد الوارث بن سفيان قال حدثني قاسم قال حدثني بكر بن حماد قال حدثني مسدد عن يحيى بن سعيد قال حدثني عبيد الله بن عمر قال حدثني نافع عن عبد الله بن عمر أن رسول الله صلى الله عليه وسلم اتخذ خاتما من ذهب وجعل فصه مما يلي كفه فأتخذه الناس فرمى به وأتخذ خاتما من ورق وقد روى ثابت البناني وعبد العزيز بن صهيب وقتادة عن أنس خلاف ما رواه بن شهاب عن أنس فبان وهم بن شهاب في ذلك وقد ذكرنا طرق الأحاديث بذلك عن أنس بن مالك في التمهيد ومنها ما حدثني عبد الوارث قال حدثني قاسم قال حدثني أبو إسماعيل الترمذي قال حدثني أبو الجماهر محمد بن عثمان التنوخي قال حدثني سعيد بن بشير عن قتادة عن أنس بن مالك أن رسول الله صلى الله عليه وسلم أراد أن يكتب إلى العجم فقيل له إنه لا ينفذ كتابك إلا بخاتم فاتخذ خاتما من فضة منه ونقش فيه محمد رسول الله قال ثم لبسه أبو بكر بعد النبي صلى الله عليه وسلم ثم لبسه عمر بعد أبي بكر ثم لبسه عثمان رضي الله عنه فسقط من عثمان في بئر بالمدينة وقد روى هذا المعنى بن عمر أيضا حدثني عبد الوارث قال حدثني قاسم قال حدثني أبو مسلم الكجي قال حدثني أبو عاصم عن المغيرة بن زياد عن نافع عن بن عمر أن رسول الله صلى الله عليه وسلم اتخذ خاتما من ذهب ففشت خواتم الذهب في أصحابه فرمى به واتخذ خاتما من ورق ونقش فيه محمد رسول الله وكان في يده حتى مات وفي يد أبي بكر حتى مات وفي يد عمر حتى مات وفي يد عثمان ست سنين فلما كثرت عليه الكتب دفعه إلى رجل من الأنصار ليختم به فأتى قليبا لعثمان ليغتسل فسقط بها فالتمس فلم يوجد فاتخذ خاتما من ورق ونقش فيه محمد رسول الله‏.‏

وحدثني عبد الوارث قال حدثني قاسم قال حدثني بن وضاح قال حدثني حامد بن يحيى قال حدثني سفيان عن أيوب بن موسى عن نافع عن بن عمر قال اتخذ رسول الله صلى الله عليه وسلم خاتما من ذهب ثم رمى به واتخذ خاتما من فضة فصه منه ونقش فيه محمد رسول الله ونهى أن ينقش عليه أحد وهو الذي سقط من معيقيب في بئر أريس وقد ذكرنا في باب عبد الله بن دينار من التمهيد الأحاديث الواردة المسندة المرفوعة وعن الخلفاء الراشدين في إباحة التختم بالفضة وكراهة التختم بالذهب والحديد والشبه ومن شذ فرخص في ذلك من ذلك أو نختم بشيء منه ومن تختم باليمين ومن تختم في اليسار ما يغني عن كل كتاب في معناه إن شاء الله عز وجل‏.‏

1743- مالك عن صدقة بن يسار أنه قال سألت سعيد بن المسيب عن لبس الخاتم فقال البسه‏.‏

وأخبر الناس أني أفتيتك بذلك قال أبو عمر معناه عندي - والله عز وجل أعلم - الإنكار على أهل الشام لما ذهبوا إليه من كراهة الخاتم لغير ذي سلطان وقد رووا فيه أثرا مسندا إلى النبي صلى الله عليه وسلم من حديث أبي ريحانة ذكرنا إسناده في التمهيد عن أبي ريحانة سمع النبي صلى الله عليه وسلم أنه نهى عن عشر خصال عن الوشر والنتف والوشم وعن مكامعة الرجل الرجل وعن مكامعة المرأة المرأة يعني المباشرة وعن ثياب تكف بالديباج من أعلاها لا أسفلها كما تصنع الأعاجم وعن النهبة وعن أن سيركب بجلود الأنمار وعن الخاتم إلا لذي سلطان هكذا قال لم يذكر العاشرة حدثني عبد الله بن محمد بن عبد المؤمن قال حدثني عبد الحميد بن أحمد الوراق قال حدثني الخضر بن داود قال حدثني أبو بكر الأثرم قال سمعت أحمد بن حنبل يسأل عن لبس الخاتم فقال أهل الشام يكرهونه لغير ذي سلطان ويروون فيه الكراهية عن النبي صلى الله عليه وسلم وقد تختم قوم قال أبو بكر‏.‏

وحدثني أبو عبد الله - يعني أحمد بن حنبل - بحديث أبي ريحانة عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه كره خلالا ذكر منها الخاتم إلا لذي سلطان فلما بلغ هذا الموضع تبسم كالمتعجب ثم قال يا أهل الشام قال أبو عمر قد ذكرنا في التمهيد بعض من كان لا يتختم من العلماء وبعض من كان يتختم منهم ورسول الله صلى الله عليه وسلم قد تختم وفيه الأسوة الحسنة وحديث أبي ريحانة لا تجد بمثل إسناده حجة وحديث مالك في هذا الباب عن صدقة بن يسار عن سعيد بن المسيب رواه بن عيينة عن صدقة بن يسار على غير هذا المعنى حدثني عبد الله بن سعيد قال حدثني أحمد بن إبراهيم الدئلي قال حدثني أبو عبيد الله سعيد بن عبد الرحمن المخزومي قال حدثني سفيان بن عيينة عن صدقة بن يسار قال قلت لسعيد بن المسيب الخاتم يكون فيه ذكر الله ألبسه على الجنابة وأدخل به الخلاء قال البسه بأمري‏.‏

وأخبر الناس أني أفتيتك بذلك ورواية بن جريج له عن صدقة بن يسار نحو رواية بن عيينة ذكره أبو بكر قال حدثني عيسى بن يونس عن بن جريج عن صدقة بن يسار قال قلت لسعيد بن المسيب ما أكتب في خاتمي قال اكتب فيه ذكر الله وقال أمرني به سعيد بن المسيب وممن أجاز في الخاتم نقش ذكر الله ‏(‏عز وجل‏)‏ الحسن وعطاء ومجاهد والحسن والحسين وأبو جعفر محمد بن علي بن حسين ومسروق إلا أن عطاء كان يكره أن يكتب الآية كلها في الخاتم ولا يرى بالخاتم فيه بأسا وكره إبراهيم والشعبي أن ينقش في الخاتم ذكر الله والآية التامة وقال الحسن لا بأس أن ينقش فيه الآية التامة وكره بن سيرين أن يكون في الخاتم ذكر الله‏.‏

وحدثني عبد الوارث قال حدثني قاسم قال حدثني بن وضاح قال حدثني دحيم عن شعيب بن إسحاق عن أبي خلدة قال قلت لأبي العالية أدخل الخلاء وعلي خاتم فيه اسم الله قال لا وأمره هين خذه من شمالك واجعله في يمينك أو في فيك وذكر بن القاسم عن مالك أنه قال لا بأس بلبس الخاتم فيه ذكر الله يلبسه في الشمال ويستنجي به وقال أرجو أن يكون خفيفا وقال بن وهب عنه لم أزل أسمع أن الحديد مكروه التختم به‏.‏

وأما أبو حنيفة وأصحابه فكرهوا التختم بالحديد وبما سوى الفضة إلا الذهب خاصة للنساء وقد ذكرنا في التمهيد من كان يتختم باليمين ومن كان يتختم في الشمال‏.‏

باب ما جاء في نزع المعاليق والجرس من العنق

1744- مالك عن عبد الله بن أبي بكر عن عباد بن تميم أن أبا بشير الأنصاري أخبره أنه كان مع رسول الله صلى الله عليه وسلم في بعض أسفاره قال فأرسل رسول الله صلى الله عليه وسلم رسولا قال عبد الله بن أبي بكر حسبت أنه قال والناس في مقيلهم لا تبقين في رقبة بعير قلادة من وتر أو قلادة إلا قطعت قال مالك أرى ذلك من العين هكذا هذا الحديث في الموطأ عند جمهور الرواة ورواه روح بن عبادة عن مالك بإسناده فقال فيه فأرسل رسول الله صلى الله عليه وسلم زيدا مولاه قال أبو عمر هو زيد بن حارثة ولم يسم الرسول في هذا الحديث عن مالك غير روح بن عبادة -والله أعلم- وقال والناس في موضع مبيتهم وفصل مالك معنى الحديث أنه من العين وهو عند جماعة من أهل العلم كما قال مالك لا يجوز أن يعلق على الصحيح شيء من بني آدم ولا من البهائم بشيء من العلائق خوف نزول العين لهذا الحديث وما كان مثله ورخصوا فيه بعد نزول البلاء ومنهم من كرهه على كل حال قال مالك لا بأس بتعليق الكتب التي فيها اسم الله تعالى على أعناق المرضى وكره من ذلك ما أريد به مدافعة العين وقال إسحاق بن منصور قلت لأحمد بن حنبل ما يكره من المعاليق قال كل شيء يعلق فهو مكروه واحتج بالحديث من تعلق شيئا وكل إليه قال إسحاق بن منصور وقال لي إسحاق بن راهويه كما قال أحمد بن حنبل إلا أن يفعله بعد نزول البلاء فهو حينئذ مباح كما قالت عائشة رضي الله عنها قال أبو عمر احتج من كره ذلك جملة بحديث عقبة بن عامر قال سمعت النبي صلى الله عليه وسلم يقول من علق تميمة فلا أتم الله له ومن علق ودعة فلا ودع الله له وقد ذكرنا إسناده في التمهيد وذكر بن وهب قال حدثني جرير بن حازم أنه سمع الحسن يقول قال رسول الله صلى الله عليه وسلم من تعلق شيئا وكل به قال بن وهب‏.‏

وأخبرني عمرو بن الحارث أن بكير الأشج حدثه أن أمه حدثته أنها سمعت عائشة تكره ما يعلق النساء على أنفسهن وعلى صبيانهن قال أخبرنا بن لهيعة عن بكير عن القاسم عن عائشة قالت ما علق بعد نزول البلاء فليس بتميمة وقال بن مسعود الرقى والتمائم والتولة شرك فقالت له امرأته ما التولة قال التهييج‏.‏

وأما الحديث الذي جاء عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال قلدوا الخيل ولا تقلدوها الأوتار فقال وكيع معناه لا تركبوها في الفتن فمن ركب فرسا في فتنة لم ينشب أن يتعلق به وتر يطلب به وقال غيره كره تقليد الأوتار لئلا تخنق الدابة أو البهيمة في خشبة أو شجرة فتقتلها وإذا كان ذلك خيطا انقطع سريعا ‏(‏50الكتاب العين‏)‏‏.‏

باب الوضوء من العين

1745- مالك عن محمد بن أبي أمامة بن سهل بن حنيف أنه سمع أباه يقول اغتسل أبي سهل بن حنيف بالخرار فنزع جبة كانت عليه وعامر بن ربيعة ينظر قال وكان سهل رجلا أبيض حسن الجلد قال فقال له عامر بن ربيعة ما رأيت كاليوم ولا جلد عذراء قال فوعك سهل مكانه واشتد وعكه فأتي رسول الله صلى الله عليه وسلم فأخبر أن سهلا وعك وأنه غير رائح معك يا رسول الله فأتاه رسول الله صلى الله عليه وسلم فأخبره سهل بالذي كان من شأن عامر فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم علام يقتل أحدكم أخاه ألا بركت إن العين حق توضأ له فتوضأ له عامر فراح سهل مع رسول الله صلى الله عليه وسلم ليس به بأس قال أبو عمر ليس في حديث مالك هذا في غسل العين عن النبي صلى الله عليه وسلم أكثر من قوله اغتسل له وإنما فيه كيفية غسل العائن من فعل عامر بن ربيعة لأن رسول الله صلى الله عليه وسلم وصف له كيفية الغسل إذ أمره به‏.‏

1746- وقد روى هذا الحديث معمر عن الزهري عن أبي أمامة بن سهل بن حنيف - يعني حديث مالك - إلا أنه أتم سياقة قال فيه فدعا عامرا فقال سبحان الله علام يقتل أحدكم أخاه وإذا رأى شيئا منه يعجبه فليدع له بالبركة قال ثم أمره فغسل وجهه وظهر عقبيه ومرفقيه وغسل صدره وداخلة إزاره وركبتيه وأطراف قدميه ظاهرهما في الإناء ثم أمره فصبه على رأسه وكفأ الإناء من خلفه قال وأمره فحسا منه حسوات قال فقام مع الركب قال جعفر بن برقان للزهري ما كنا نعد هذا حقا قال بل هي السنة قال أبو عمر المخبأة المخدرة المكنونة التي لا تراها العيون ولا تبرز للشمس قال عبد الله بن قيس الرقيات‏:‏

ذكرتني المخبآت لدى الحج *** ر ينازعنني سجوف الحجال

ولبط صرع الأرض ولبط وليج سواء أي سقط إلى الأرض وقال بن وهب ولبط وعك وفي تغيظ رسول الله صلى الله عليه وسلم على عامر بن ربيعة دليل على أن من كان منه شيء أو بسببه لم يقصده جائز عتابه وتأديبه عليه وفي قوله صلى الله عليه وسلم يقتل أحدكم أخاه دليل على أن العين قد يأتي منها القتل والموت إذا دنا الأجل وقوله صلى الله عليه وسلم ألا بركت يدل على أن من أعجبه شيء فقال تبارك الله أحسن الخالقين اللهم بارك فيه ونحو هذا لم يضره إن شاء الله وقد تقصينا ما في ألفاظ حديثي هذا الباب من المعاني في التمهيد‏.‏

وأما داخل إزاره فإن الأزار ها هنا هو المئزر عندنا فما التصق منه بخصر المؤتزر فهو داخلة الإزار وفيه أن العائن يؤمر بالوضوء وبالغسل للمعين وأنها نشرة ينتفع بها وأحسن شيء في وضوء العائن وغسله ما وصفه بن شهاب وهو رواية الحديث أخبرنا محمد بن إبراهيم قال حدثني أحمد بن مطرف قال حدثني سعيد بن عثمان قال حدثني محمد بن عزيز قال حدثني سلامة بن روح قال حدثني عقيل عن بن شهاب أنه أخبره أن الغسل الذي أدركنا علماءنا يصفونه أن يؤتى الرجل الذي يعين صاحبه بالقدح فيه الماء فيمسك له مرتفعا من الأرض فيدخل فيه يده اليمنى فيغرف من الماء ويصب على وجهه صبة واحدة في القدح ثم يدخل يده اليسرى فيمضمض ثم يمجه في القدح ثم يدخل يده اليسرى فيغترف قبضة على ظهر كفه اليمنى صبة واحدة في القدح وهو ثان يده على عقبه ثم يفعل مثل ذلك في مرفق يده اليسرى ويفعل مثل ذلك في طرف قدمه اليمنى من عند أصول أصابعه واليسرى كذلك ثم يدخل يده اليسرى فيصب على كتفه اليمنى ثم يفعل مثل ذلك في اليسرى ثم يغمس داخله إزاره اليمنى في الماء ثم يقوم الذي في يده القدح حتى يصبه على رأس المعين من ورائه ثم يكفأ القدح على ظهر الأرض وراءه وقد ذكره بن أبي ذئب عن بن شهاب بخلاف شيء من معانيه وذكرته في التمهيد وذكرت هناك أحاديث في معنى النشرة وما أشبهها في معاني العين ومعاني الأخذة وبعض من امتحن بها من السلف ومن أجاز النشرة منهم ومن كرهها أخبرنا عبد الله بن محمد بن يحيى قال حدثني أحمد بن إبراهيم بن جامع قال حدثني علي بن عبد العزيز قال حدثني مسلم بن إبراهيم قال حدثني وهيب قال أخبرنا بن طاوس عن أبيه عن بن عباس عن النبي صلى الله عليه وسلم قال العين حق ولو كان شيء سبق القدر لسبقته العين وإذا استغسلتم فاغتسلوا حدثني عبد الوارث قال حدثني قاسم قال حدثني محمد بن عبد السلام قال حدثني محمد بن المثنى قال حدثني بن أبي عدي عن شعبة عن حصين عن هلال بن يساف عن سحيم بن نوفل قال كنا عند عبد الله - يعني بن مسعود - فجاءت أمه رجلا فقالت له ما يجلسك إن فلانا قد لقع فرسك لقعة فلم يأكل ولم يشرب ولم يرث منذ كذا وهو يدور كأنه في فلك فالتمس له راقيا قال عبد الله لا تلتمس له راقيا ولكن ابزق في منخره الأيمن ثلاثا وفي منخره الأيسر ثلاثا وقل بسم الله لا بأس أذهب الباس رب الناس واشف أنت الشافي أنه لا يذهب الكرب إلا أنت قال فأتاه الرجل فصنع ثم قال ما رجعت حتى أكل وشرب ومشى وراث أخبرنا عبد الوارث قال حدثني قاسم قال حدثني محمد بن عبد السلام الخشني قال حدثني محمد بن بشار قال حدثني مؤمل قال حدثني سفيان عن حصين عن هلال بن يساف عن سحيم بن نوفل قال كنا عند عبد الله نعرض المصاحف فجاءت جارية أعرابية إلى رجل منا فقالت إن فلانا لقع مهرك بعينه وهو يدور في فلك لا يأكل ولا يشرب ولا يروث ولا يبول فالتمس له راقيا فقال عبد الله لا تلتمس له راقيا ولكن ائته فانفخ في منخره الأيمن أربعا وفي منخره الأيسر ثلاثا وقل لا بأس أذهب الباس رب الناس واشف أنت الشافي لا يكشف الضر إلا أنت فقام الرجل فانطلق فما برحنا حتى رجع فقال لعبد الله فعلت الذي أمرتني فما برحت حتى أكل وشرب وراث وبال قال أبو عمر وذكر الحديثين الطبري عن بن المثنى وعن بن بشار أيضا ففي الحديث الأول النفث وفي الآخر مكان النفث النفخ وفيه أربعا في المنخر الأيمن وفي الأيسر ثلاثا وفي الأول ثلاثا ثلاثا‏.‏

باب الرقية من العين

1747- مالك عن حميد بن قيس المكي أنه قال دخل على رسول الله صلى الله عليه وسلم بابني جعفر بن أبي طالب فقال لحاضنتهما ما لي أراهما ضارعين فقالت حاضنتهما يا رسول الله إنه تسرع إليهما العين ولم يمنعنا أن نسترقي لهما إلا أنا لا ندري ما يوافقك من ذلك فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم استرقوا لهما فإنه لو سبق شيء القدر لسبقته العين قال أبو عمر هكذا رواه أصحاب مالك في الموطأ عن مالك عن حميد بن قيس لم يذكروا غيره ورواه بن وهب في جامعه فقال حدثني مالك عن حميد بن قيس عن عكرمة بن خالد قال دخل على رسول الله صلى الله عليه وسلم فذكر مثله سواء وهو مع ذلك منقطع ويستند من حديث أسماء بنت عميس ومن حديث جابر أيضا ومن طرق صحاح نذكرها بعد إن شاء الله عز وجل وقوله ضارعين أي ضعيفين ضئيلين ناحلين وللضراعة وجوه في اللغة وفي هذا الحديث دليل على أن العين حق يتأذى بها وأن الرقي تنفع منها إذا قدر الله ذلك فالشفاء بيده سبحانه لا شريك له وسبيل الرقي سبيل سائر العلاج والطب وفي قوله لو سبق شيء القدر لسبقته العين دليل على أن الصحة والسقم قد علمهما الله تعالى وما علم فلا بد من كونه على ما علمه لا يتجاوز وقته ولكن النفس تسكن إلى العلاج والطب والرقى وكل سبب من أسباب قدر الله وعلمه والحاضنة والحضانة معروفة وقد تكون الحاضنة ها هنا أمهما أسماء بنت عميس وكانت تحت جعفر بن أبي طالب ومعه هاجرت إلى أرض الحبشة وولدت له هناك عبد الله بن جعفر ومحمد بن جعفر وعون بن جعفر وهلك عنها بموته فخلف عليها بعده أبو بكر الصديق فولدت منه محمد بن أبي بكر ثم هلك عنها فتزوجها علي بن أبي طالب فولدت له يحيى بن علي وقد ذكرنا خبرها في كتاب النساء من كتاب الصحابة حدثني سعيد بن نصر قال حدثني قاسم بن أصبغ قال حدثني محمد بن إسماعيل قال حدثني الحميدي قال حدثني سفيان قال حدثني عمرو بن دينار قال أخبرني عروة بن عامر عن عبيد بن رفاعة عن أسماء بنت عميس أنها قالت يا رسول الله ‏!‏ إن ابني جعفر تصيبهما العين أفأسترقي لهما قال نعم لو كان شيء سابق القدر لسبقته العين حدثني عبد الرحمن بن عبد الله بن خالد قال حدثني إبراهيم بن علي بن غالب قال حدثني محمد بن الربيع بن سليمان قال حدثني يوسف بن سعيد بن مسلم قال حدثني حجاج عن بن جريج قال أخبرني عطاء عن أسماء بنت عميس أن النبي صلى الله عليه وسلم نظر إلى بنيها بني جعفر فقال ما لي أرى أجسامهم ضارعة قالت يا نبي الله إن العين تسرع إليهم أفأرقيهم قال وبماذا فعرضت عليه كلاما ليس به بأس فقال ارقيهم به وبهذا الإسناد عن حجاج عن بن جريج قال أخبرني أبو الزبير قال سمعت جابر بن عبد الله يقول كان النبي صلى الله عليه وسلم أرخص لبني عمرو بن حزم في رقية الحمة قال وقال لأسماء بنت عميس ما شأن أجسام بني أخي ضارعة أتصيبهم الحاجة قالت لا ولكن تسرع إليهم العين أفأرقيهم قال وبماذا قالت فعرضت عليه فقال ارقيهم حدثني خلف بن قاسم قال حدثني بن المفسر قال حدثني أحمد بن علي بن سعيد قال حدثني يحيى بن معين قال حدثني حجاج عن بن جريج عن أبي الزبير عن جابر أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال لأسماء بنت عميس ما لي أرى أجسام بني أخي ضارعة أتصيبهم الحاجة قالت لا ولكن العين تسرع إليهم أفأرقيهم قال بماذا فعرضت عليه كلاما قال لا بأس به فأرقيهم وهكذا رواه روح بن عبادة عن بن جريج بإسناد واحد عن أبي الزبير عن جابر كما رواه يحيى بن معين عن حجاج عن بن جريج ورواه يوسف بن سعيد عن حجاج عن بن جريج في الإسنادين‏.‏

وأما حديث روح بن عبادة فحدثناه عبد الوارث بن سفيان وأحمد بن قاسم قالا حدثني قاسم قال حدثني الحارث بن أبي أسامة قال حدثني روح بن عبادة فذكره‏.‏

1748- مالك عن يحيى بن سعيد عن سليمان بن يسار أن عروة بن الزبير حدثه أن رسول الله صلى الله عليه وسلم دخل بيت أم سلمة زوج النبي صلى الله عليه وسلم وفي البيت صبي يبكي فذكروا له أن به العين قال عروة فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم ألا تسترقون له من العين وهذا الحديث في الموطأ عند جميع رواته مرسل كما ترى وكذلك رواه أكثر من رواه عن يحيى بن سعيد ورواه أبو معاوية عن يحيى بن سعيد عن سليمان بن يسار عن عروة عن أم سلمة حدثناه إبراهيم بن شاكر قال حدثني محمد بن أحمد قال حدثني محمد بن أيوب قال حدثني أحمد بن عمرو البزار قال حدثني أبو كريب قال حدثني أبو معاوية عن يحيى بن سعيد عن سليمان بن يسار عن عروة بن الزبير عن أم سلمة أن رسول الله صلى الله عليه وسلم دخل عليها وفي البيت صبي يبكي فذكر الحديث قال أبو عمر لا أعلم خلافا بين العلماء في جواز الرقية من العين أو الحمة وهي لدغة العقرب وما كان مثلها إذا كانت الرقية بأسماء الله عز وجل ومما يجوز الرقي به وكان ذلك بعد نزول الوجع والبلاء وظهور العلة والداء وإن كان ترك الرقى عندهم أفضل وأعلا لما فيه من الاستيقان بأن العبد ما أصابه لم يكن ليخطئه وأنه لا يعد شيء وقته وأن الأيام التي قضى الله بالصحة فيها لم يسقم فيها من سبق في علم الله صحته حدثني سعيد بن نصر قال حدثني قاسم بن أصبغ قال حدثني جعفر بن محمد قال حدثني عفان قال حدثني حماد بن سلمة قال حدثني عاصم عن زر عن عبد الله أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال عرضت علي الأمم فرأيت أمتي فأعجبتني كثرتهم قد ملؤوا السهل والجبل قال يا محمد إن مع هؤلاء سبعون ألفا يدخلون الجنة بغير حساب الذين لا يسترقون ولا يكتوون ولا يتطيرون وعلى ربهم يتوكلون فقام عكاشة فقال يانبي الله ‏!‏ ادع الله أن يجعلني منهم فقال اللهم اجعله منهم ثم قام آخر فقال ادع الله أن يجعلني منهم فقال سبقك بها عكاشة حدثني خلف بن قاسم قال حدثني الحسين بن جعفر الزيات قال حدثني يوسف بن يزيد قال حدثني العباس بن طالوت قال حدثني أبو عوانة عن حصين عن الشعبي عن بريدة الأسلمي قال قال رسول الله صلى الله عليه وسلم لا رقية إلا من عين أو حمة قال أبو عمر‏.‏

وأما ما روي عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال من علق التمائم أو عقد الرقى فهو على شعبة من الشرك وذلك كله أن يعلق كتابا في عنقه أو يرقي نفسه أو غيره لئلا ينزل به من الأدواء وكل ما أتى عن علي وحذيفة وعقبة بن عامر وسعيد بن جبير وغيرهم من كراهة تعليق القرآن وسائر التمائم والرقى معناه ما ذكرنا روى بن وهب عن يونس عن بن شهاب قال بلغني عن رجال من أهل العلم أنهم كانوا يقولون إن رسول الله صلى الله عليه وسلم نهى عن الرقى حين قدم المدينة وكانت الرقى في ذلك الزمان فيها كثير من كلام الشرك فلما قدم المدينة لدغ رجل من أصحابه فقال يا رسول الله قد كان آل حزم يرقون من الحمة فلما نهيت عن الرقى تركوها فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم ادع لي عمارة بن حزم ولم يكن له ولد وكان قد شهد بدرا فدعي له فقال أعرض علي رقيتك فعرضها عليه فلم ير بها بأسا وأذن لهم بها قال بن وهب حدثني بن لهيعة عن أبي الزبير عن جابر قال جاء رجل إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم فقال إني أرقي من العقرب فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم من استطاع منكم أن ينفع أخاه فليفعل حدثني سعيد بن نصر قال حدثني قاسم بن أصبغ قال حدثني بن وضاح قال حدثني أبو بكر قال حدثني أبو معاوية عن الأعمش عن أبي سفيان عن جابر قال نهى رسول الله صلى الله عليه وسلم عن الرقى وكانت عند آل عمرو بن حزم رقية يرقون بها من العقرب فأتوا النبي صلى الله عليه وسلم فعرضوها عليه وقالوا إنك نهيت عن الرقى فقال من استطاع منكم أن ينفع أخاه فليفعل‏.‏

باب ما جاء في أجر المريض

1749- مالك عن زيد بن أسلم عن عطاء بن يسار أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال إذا مرض العبد بعث الله تعالى إليه ملكين فقال انظرا ماذا يقول لعواده فإن هو إذا جاؤوه حمد الله وأثنى عليه رفعا ذلك إلى الله عز وجل وهو أعلم فيقول لعبدي علي إن توفيته أن أدخله الجنة وإن أنا شفيته أن أبدل له لحما خيرا من لحمه ودما خيرا من دمه وأن أكفر عنه سيئاته قال أبو عمر هذا حديث أسنده عباد بن كثير وكان رجلا فاضلا حدثني أحمد بن سعيد بن بشر قال حدثني محمد بن عبد الله بن أبي دليم قال حدثني بن وضاح قال حدثني إبراهيم بن موسى قال حدثني عبد الله بن الوليد عن عباد بن كثير عن زيد بن أسلم عن عطاء بن يسار عن أبي سعيد الخدري قال قال رسول الله صلى الله عليه وسلم إذا أصاب الله العبد بالبلاء بعث الله له ملكين فقال انظرا ماذا يقول لعواده فإن قال لهم خيرا فأنا أبدله بلحمه خيرا من لحمه وبدمه خيرا من دمه وإن أنا توفيته فله الجنة وإن أنا أطلقته من وثاقي فليستأنف العمل وقد روي عن عبد الله بن عمرو عن النبي صلى الله عليه وسلم هذا المعنى بإسناد جيد أيضا‏.‏

وحدثني أحمد بن محمد بن أحمد قال حدثني وهب بن مسرة قال حدثني بن وضاح قال حدثني أبو بكر قال حدثني وكيع عن سفيان عن علقمة بن مرثد عن القاسم بن مخيمرة عن عبد الله بن عمرو قال قال رسول الله صلى الله عليه وسلم ما من أحد يبتلى في جسده إلا أمر الحفظة فقال اكتبوا لعبدي ما كان يعمل وهو صحيح ما كان مشدودا في وثاقي والأحاديث في أجر المريض كثيرة جدا‏.‏

1750- مالك عن يزيد بن حصيفة عن عروة بن الزبير أنه قال سمعت عائشة زوج النبي صلى الله عليه وسلم تقول قال رسول الله صلى الله عليه وسلم لا يصيب المؤمن من مصيبة حتى الشوكة إلا قص بها أو كفر من خطاياه لا يدري يزيد أيهما قال عروة وهذا حديث مسند صحيح عام في أن المرض كفارة وأن الأحاديث في معناه كثيرة منها ما حدثنا سعيد وعبد الوارث قالا حدثني قاسم قال حدثني إسماعيل بن إسحاق قال حدثني إسحاق بن محمد الفروي قال حدثني عبيد الله بن عمر عن بن شهاب عن عروة عن عائشة عن النبي صلى الله عليه وسلم قال ما من مصيبة تصيب المؤمن إلا أجر فيها حتى الشوكة تصيبه حدثني عبد الوارث قال حدثني قاسم قال حدثني مضر بن محمد الأسدي قال حدثني عبد الرحمن بن عمرو الخزاعي قال قرأت على معقل بن عبيد الله عن أبي الزبير عن جابر أنه سمع النبي صلى الله عليه وسلم يقول لا يمرض مؤمن ولا مؤمنة ولا مسلم ولا مسلمة إلا حط الله به خطيئته حدثني عبد الوارث قال حدثني قاسم قال حدثني بكر قال حدثني مسدد قال حدثني يحيى بن سعيد عن أسامة بن زيد قال حدثني محمد بن عمرو بن عطاء عن عطاء بن يسار عن أبي سعيد الخدري عن النبي صلى الله عليه وسلم قال ما أصاب المؤمن من وصب ولا نصب ولا حزن حتى الهم يهمه إلا كفر الله به من خطاياه وقد ذكرنا في التمهيد حديث شعبة عن جامع بن شداد عن عمارة بن عمير عن أبي معمر عن عبد الله بن مسعود قال إن الوجع لا يكتب به الأجر ولكن تكفر به الخطيئة‏.‏

1751- مالك عن محمد بن عبد الله بن أبي صعصعة أنه قال سمعت أبا الحباب سعيد بن يسار يقول سمعت أبا هريرة يقول قال رسول الله صلى الله عليه وسلم من يرد الله به خيرا يصب منه وهذا يقتضي المصائب في المال وفي الجسم أيضا وكل ذلك أجر ومحطة للوزر وهذا ما لا خلاف فيه بين العلماء - والحمد لله كثيرا‏.‏

1752- مالك عن يحيى بن سعيد أن رجلا جاءه الموت في زمان رسول الله صلى الله عليه وسلم فقال رجل هنيئا له مات ولم يبتل بمرض فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم ويحك وما يدريك لو أن الله ابتلاه بمرض يكفر به من سيئاته قال أبو عمر هذا في معنى ما تقدم في الباب ولا يكاد يوجد فيه حديث بهذا اللفظ‏.‏

وأما المعنى فكثير - والحمد لله - جدا أخبرنا عبد الله بن محمد قال حدثني محمد بن بكر قال حدثني سليمان بن الأشعث قال حدثني عبد الله بن محمد النفيلي قال حدثني محمد بن سلمة عن محمد بن إسحاق قال حدثني رجل من أهل الشام يقال له أبو منظور عن عمه قال حدثني عمي عن عامر الرامي أخي الخضر أنه سمع رسول الله صلى الله عليه وسلم في حديث ذكره يقول إن المؤمن إذا أصابه السقم ثم أعفاه الله - عز وجل - منه كان كفارة لما مضى من ذنوبه وموعظة له فيما يستقبل وإن المنافق إذا مرض ثم أعفي كان كالبعير عقله أهله ثم أرسلوه فلم يدر لم عقلوه ولا لم أرسلوه حدثني عبد الوارث بن سفيان قال حدثني قاسم بن أصبغ قال حدثني زكريا بن يحيى الناقد ببغداد قال حدثني أبو مسلم عبد الرحمن بن يونس المستملي قال حدثني محمد بن إسماعيل بن أبي فديك قال أخبرنا بن أبي ذئب عن الزهري عن عروة عن عائشة قالت قال رسول الله صلى الله عليه وسلم إذا اشتكى المؤمن أخلصه الله - عز وجل - كما يخلص الكير الخبث‏.‏

باب التعوذ والرقية في المرض

1753- مالك عن زيد بن خصيفة أن عمرو بن عبد الله بن كعب السلمي أخبره أن نافع بن جبير أخبره عن عثمان بن أبي العاص أنه أتى رسول الله صلى الله عليه وسلم قال عثمان وبي وجع قد كاد يهلكني قال فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم امسحه بيمينك سبع مرات وقل أعوذ بعزة الله وقدرته من شر ما أجد قال فقلت ذلك فأذهب الله ما كان بي فلم أزل آمر بها أهلي وغيرهم وهذا حديث مسند صحيح لا مدخل للقول في إسناده ولا في متنه وقد رواه بن شهاب عن نافع بن جبير وهذا مما فات مالكا من حديث بن شهاب أخبرنا عبد الرحمن بن يحيى قال حدثني علي بن محمد قال أخبرنا أحمد بن داود قال حدثني سحنون قال حدثني بن وهب قال أخبرني يونس بن يزيد عن بن شهاب قال أخبرني نافع بن جبير بن مطعم عن عثمان بن أبي العاصي الثقفي أنه اشتكى إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم وجعا يجده في جسده مذ أسلم فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم ضع يدك على الذي يؤلم من جسدك وقل باسم الله - ثلاث مرات - وقل سبع مرات أعوذ بالله - عز وجل - وقدرته من شر ما أجد وأحاذر‏.‏

1754- مالك عن بن شهاب عن عروة بن الزبير عن عائشة أن رسول الله صلى الله عليه وسلم كان إذا اشتكى يقرأ على نفسه بالمعوذات وينفث قالت فلما اشتد وجعه كنت أنا أقرأ عليه وأمسح عليه بيمينه رجاء بركتها هكذا روى هذا الحديث جماعة رواة مالك في الموطأ وغير الموطأ بإسناده وبعضهم قال ويتفل في مكان ينفث ومنهم من يقول فيه ب قل هو الله أحد‏)‏ ‏[‏الإخلاص 1‏]‏‏.‏

والمعوذتين وقد ذكرنا كثيرا من طرقه وألفاظه في التمهيد ورواه وكيع عن مالك فاختصره ولم يزد عليه قال وكان رسول الله صلى الله عليه وسلم ينفث في الرقية وليس في الحديث أكثر من معنى النفث والتفل وتعيين المعوذتين والتفل ما فيه بصاق يرميه الراقي بريح فمه وقيل التفل البصاق نفسه والنفث ما لا بصاق فيه‏.‏

وحدثني خلف بن قاسم قال حدثني يوسف بن القاسم بن يوسف الميانجي قال حدثني محمد بن إسحاق بن إبراهيم السراج‏.‏

وحدثني خلف بن قاسم قال حدثني الحسن بن الخضر قال حدثني أحمد بن شعيب النسائي قالا حدثني إسحاق بن إبراهيم بن راهويه قال حدثني وكيع قال حدثني مالك عن بن شهاب عن عروة عن عائشة أن النبي صلى الله عليه وسلم كان ينفث في الرقية وكذلك رواه زيد بن أبي الزرقاء عن مالك بإسناده بلفظ وكيع ذكرناه في التمهيد قال أبو عمر قد كره التفل والنفث في الرقية جماعة منهم إبراهيم النخعي والضحاك وعكرمة والحكم وحماد وقال إبراهيم كانوا يكرهون النفث في الرقى وقال الضحاك لأبي الهزهاز ارق ولا تنفث وقال شعبة عن الحكم وحماد أنهما كرها التفل في الرقى قال أبو عمر ولا حجة مع من كره ذلك إذ قد ثبت عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه نفث في الرقى وقد رقى النبي صلى الله عليه وسلم يد محمد بن حاطب وهو صبي وكان قد اخترقت يده فجعل ينفث عليها وتفل صلى الله عليه وسلم في عيني حبيب بن فديك وهما مبيضتان لا يبصر بهما شيئا فنفث في عينيه فبرأ وفي حديث يعلى بن مرة نفث على صبي رفعته إليه امرأة وكانت عائشة ترقي وتنفث وقال بن سيرين ما أعلم به بأسا وكان الأسود يكره النفث في الرقية ولا يرى بالنفخ بأسا وروى المقرئ عبد الله بن يزيد أبو عبد الرحمن قال حدثني سعيد بن أبي أيوب قال حدثني عقيل عن بن شهاب عن عروة عن عائشة قالت كان رسول الله صلى الله عليه وسلم إذا أراد النوم جمع يديه ونفث فيهما وقرأ ‏(‏قل هو الله أحد‏)‏ ‏[‏الإخلاص 1‏]‏‏.‏ ‏(‏قل أعوذ برب الفلق‏)‏ ‏[‏الفلق 1‏]‏‏.‏

‏(‏وقل أعوذ برب الناس‏)‏ ‏[‏الناس 1‏]‏‏.‏ ثم يمسح بهما وجهه وسائر جسده قال سعيد وقال عقيل رأيت بن شهاب يفعل ذلك‏.‏

1755- مالك عن يحيى بن سعيد عن عمرة بنت عبد الرحمن أن أبا بكر الصديق دخل على عائشة وهي تشتكي ويهودية ترقيها فقال أبو بكر ارقيها بكتاب الله قال أبو عمر كان مالك يكره رقية أهل الكتاب وذلك - والله عز وجل أعلم - بأنه لا يدري أيرقون بكتاب الله تعالى أو بما يضاهي السحر من الرقى المكروهة وذكر سنيد في كتابه الكبير قال حدثني جرير ومحمد بن سليمان عن الركين بن الربيع بن عميلة عن قاسم بن حسان عن عبد الرحمن بن حرملة عن بن مسعود قال كان رسول الله صلى الله عليه وسلم يكره عشر خلال تختم الذهب وجر الإزار وتغيير الشيب والصفرة وعزل الماء عن محله والرقى إلا بالمعوذات وإفساد الصبي غير محرمة وعقد التمائم والتبهرج بزينة غير محلها والضرب بالكعاب قال سنيد تغيير الشيب نتفه والصفرة يعني الخلوق وعزل الماء عن محله يعني الفرج والرحم وإفساد الصبي غير محرمة يعني الغيلة وذكر حديث أسماء بنت يزيد بن السكن قالت سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول لا تقتلوا أولادكم سرا فإن الغيل يدرك الفارس فيدعثره عن فرسه يعني تكسره الغيلة وتطرحه عن الفرس ويصرعه قال أبو عمر قوله في هذا الخبر أنه نهى عن إفساد الصبي غير محرمة يعني أنه هم بأن ينهى عن الغيلة ولم ينه عنها لأنه بلغه أن فارس والروم تفعل ذلك فلا يضر أولادهم قال بن وهب سألت مالكا عن المرأة التي ترقي بالجريدة والملح وعن الذي يكتب الكتب للإنسان ليعلقه عليه من الوجع ويعقد في الخيط الذي يربط به الكتاب سبع عقد والذي يكتب خاتم سليمان في الكتاب فكره مالك ذلك كله وقال هذا لم يكن من أمر الناس القديم وكان العقد في ذلك أشد كراهية وكان يكره العقد جدا قال أبو عمر أظن هذا - والله عز وجل أعلم - لقول الله تعالى ‏(‏ومن شر النفثت في العقد‏)‏ ‏[‏الفلق 4‏]‏‏.‏ وذلك عند أهل العلم ضرب من السحر روى بن جريج عن عمر بن عطاء بن أبي الخوار عن عكرمة في قوله تعالى ‏(‏ومن شر النفثت في العقد‏)‏ ‏[‏الفلق 4‏]‏‏.‏ قال السحر قال‏.‏ وأخبرني عمر بن عطاء عن عكرمة في قوله عز وجل ‏(‏ومن شر حاسد إذا حسد‏)‏ ‏[‏الفلق 5‏]‏‏.‏

قال الليل في النهار قال وأوله ترسل فيه عفاريت الجن فلا يشفى مصاب في تلك الساعة وأجاز الشافعي رقية أهل الكتاب إذا كان ذلك من كتاب الله عز وجل لحديث يحيى بن سعيد عن عمرة عن عائشة عن أبي بكر الصديق بذلك رواه جماعة عن يحيى بن سعيد هكذا عن عمرة عن عائشة أن أبا بكر دخل عليها وهي تشتكي الحديث‏.‏

باب تعالج المريض

1756- مالك عن زيد بن أسلم أن رجلا في زمان رسول الله صلى الله عليه وسلم أصابه جرح فاحتقن الجرح الدم وأن الرجل دعا رجلين من بني أنمار فنظرا إليه فزعما أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال لهما أيكم أطب فقالا أوفي الطب خير يا رسول الله فزعم زيد أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال أنزل الدواء الذي أنزل الأدواء قال أبو عمر رواه يحيى بن سعيد الأنصاري عن زيد بن أسلم حدثني أحمد بن عبد الله قال حدثني أبي قال حدثني عبد الله قال حدثني بقي بن مخلد قال حدثني أبو بكر بن أبي شيبة قال حدثني عبد الرحيم بن سليمان عن يحيى بن سعيد الأنصاري عن زيد بن أسلم أن رجلا أصابه جرح فاحتقن الدم وأن رسول الله صلى الله عليه وسلم دعا له رجلين من بني أنمار فقال أيكما أطب فقال الرجل يا رسول الله أو في الطب خير فقال له إن الذي أنزل الداء أنزل الدواء وقال أبو بكر حدثني سفيان بن عيينة قال حدثني عمرو بن دينار عن هلال بن يساف قال جرح رجل على عهد رسول الله صلى الله عليه وسلم فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم ادعوا له الطبيب فقالوا يا رسول الله هل يغني عنه الطبيب قال نعم لم ينزل داء إلا أنزل معه شفاء قال أبو عمر روي عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال ما أنزل الله داء إلا أنزل له شفاء أو دواء أو أنزل الدواء الذي أنزل الداء من طرق شتى من حديث أسامة بن شريك وحديث أبي الدرداء وحديث أبي سعيد الخدري وحديث أبي هريرة وحديث بن عباس وحديث أنس وحديث جابر وحديث بن مسعود وقد ذكرناها كلها بأسانيدها في التمهيد وفي حديث بن مسعود وأبي سعيد ما أنزل الله داء إلا وأنزل معه دواء علمه من علمه وجهله من جهله وقال بن مسعود في حديثه فعليكم بألبان البقر فإنها ترم من كل الشجر‏.‏

وحدثني عبد الله بن محمد بن يحيى قال حدثني محمد بن علي قال حدثني علي بن حرب قال حدثني سفيان بن عيينة عن زياد بن علاقة عن أسامة بن شريك قال شهدت الأعاريب يسألون رسول الله صلى الله عليه وسلم هل علينا من حرج أن نتداوى فقال تداووا عباد الله فإن الله لم ينزل داء إلا وأنزل له دواء وقال مرة شفاء إلا الهرم وذكر تمام الحديث وفي هذا الحديث إباحة التداوي وإباحة معالجة الأطباء وجواز الطب والتطبب وقد ذكرنا في التمهيد اختلاف السلف والخلف من العلماء في كراهة التداوي والعلاج وأتينا بما نزع به كل فريق منهم هنالك والحمد لله‏.‏

1757- مالك عن يحيى بن سعيد قال بلغني أن سعد بن زوارة اكتوى في زمان رسول الله صلى الله عليه وسلم من الذبحة فمات قال أبو عمر هكذا وقع في رواية يحيى عن مالك سعد بن زرارة وإنما هو أسعد بن زرارة أبو أمامة وقد ذكرناه بما ينبغي من ذكره في كتاب الصحابة‏.‏

وأما سعد بن زرارة جد عمرة بنت عبد الرحمن فهو أخو أبي أمامة أسعد بن زرارة‏.‏

1758- مالك عن نافع أن عبد الله بن عمر اكتوى من اللقوة ورقي من العقرب قال أبو عمر حديث أسعد بن زرارة قد روي عن بن شهاب بإسنادين أحدهما ما رواه معمر عن بن شهاب عن أنس ولم يروه عن بن شهاب عن أنس أحد والله أعلم - غير معمر وهو عند أهل العلم بالحديث -والله أعلم- مما أخطأ فيه معمر بالبصرة فيما أملاه من حفظه هناك والآخر رواه بن جريج ويونس بن يزيد عن بن شهاب عن أبي أمامة بن سهل بن حنيف وهو أولى عندهم بالصواب في الإسناد والله أعلم‏.‏

وأما حديث عمر المذكور فحدثني خلف بن قاسم قال حدثني الحسن بن رشيق قال حدثني إسحاق بن إبراهيم بن يونس قال حدثني حميد بن مسعدة قال حدثني يزيد بن زريع عن معمر عن الزهري عن أنس أن رسول الله صلى الله عليه وسلم كوى أسعد بن زرارة من الشوكة قال‏.‏

وحدثني خلف بن قاسم قال حدثني إبراهيم بن محمد بن إبراهيم الديبلي قال حدثني محمد بن علي بن زيد الصائغ قال حدثني سعيد بن يعقوب الطالقاني قال حدثني يزيد بن زريع عن معمر عن الزهري عن أنس أن النبي صلى الله عليه وسلم كوى أسعد بن زرارة من الشوصة قال أبو عمر هكذا قال وإنما المعروف من الشوكة والشوكة الذبحة‏.‏

وأما الشوصة فهي ذات الجنب وقد يكتوى منها أيضا حدثني عبد الرحمن بن عبد الله بن خالد قال حدثني إبراهيم بن علي قال حدثني محمد بن الربيع بن سليمان الأزدي قال حدثني يوسف بن سعيد قال حدثني حجاج بن محمد قال حدثني بن جريج عن بن شهاب عن أبي أمامة بن سهل بن حنيف أن النبي صلى الله عليه وسلم عاد أبا أمامة أسعد بن زرارة وكان رأس النقباء ليلة العقبة أخذته الشوكة بالمدينة قبل بدر فقال النبي صلى الله عليه وسلم بئس الميت هذا ليهود يقولون ألا دفع عنه ولا أملك له ولا لنفسي شيئا فأمر به رسول الله صلى الله عليه وسلم فكوي من الشوكة طوق عنقه فلم يلبث إلا يسيرا حتى مات وكذلك رواه بن وهب عن يونس وبن سمعان عن بن شهاب عن أبي أمامة بن سهل بن حنيف فذكر مثله قال أبو عمر روي عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه نهى عن الكي من حديث عمران بن حصين وهو حديث صحيح وقد ذكرنا طرقة في التمهيد منها ما حدثني عبد الوارث قال حدثني قاسم قال حدثني أحمد بن الخليل قال حدثني أبو النضر قال حدثني سليمان بن المغيرة عن سعيد الجريري عن مطرف بن الشخير عن عمران بن حصين قال سمعت النبي صلى الله عليه وسلم ينهى عن الكي قال فما زال البلاء بي حتى اكتويت فما أفلحت ولا أنجحت قال عمران وكان يسلم علي فلما اكتويت فقدت ذلك ثم راجعه بعد ذلك السلام قال أبو عمر قد عارض حديث عمران حديث جابر وحديث أنس فأما حديث جابر فرواه سفيان الثوري والليث بن سعد عن أبي الزبير عن جابر أن النبي صلى الله عليه وسلم كوى سعد بن معاذ مرتين وفي رواية الثوري في أكحله مرتين وقد ذكرنا الأسانيد عنهما في التمهيد‏.‏

وأما حديث أنس فرواه حماد بن زيد عن أيوب عن أبي قلابة عن أنس بن مالك قال كويت من ذات الجنب فشهدني أبو طلحة وأنس بن النضر وأبو طلحة كواني ورواه عمران القطان عن قتادة عن أنس قال كواني أبو طلحة ورسول الله صلى الله عليه وسلم بين أظهرنا فما نهينا عنه وقد ذكرت طرق هذين الحديثين في التمهيد ومما يعارض حديث النهي عن الكي ويصحح حديث الإباحة في ذلك حديث بن عمر وبن عباس عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال إن كان الشفاء ففي ثلاث أو قال الشفاء في ثلاث في شربة عسل أو كية نار أو شرطة محجم وبعض رواته يزيد فيه وما أحب أن أكتوي وحديث بن عباس من رواية سعيد بن جبير وحديث بن عمر من رواية عبيد الله بن عمر عن نافع عن بن عمر وقد ذكرتهما في التمهيد وقد يحتمل أن يكون النبي صلى الله عليه وسلم نهى عن الكي في أمر ما أو في علة ما أو نهى عنه نهي أدب وإرشاد إلى التوكل على الله والثقة به فلا شاف سواه ولا شيء إلا ما شاء ومن الدليل على ذلك حديث المغيرة بن شعبة عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال ما توكل من استرقى أو اكتوى وقد ذكرته بإسناده في التمهيد يريد -والله أعلم- لم يتوكل حق التوكل لأن من لم يسترق ولم يكتو أشد توكلا وإخلاصا للتوكل منه ويفسر هذا قوله صلى الله عليه وسلم يدخل الجنة من أمتي سبعون ألفا لا حساب عليهم وهم الذين لا يسترقون ولا يكتوون ولا يتطيرون وعلى ربهم يتوكلون وقد ذكرنا طرق هذا الحديث في التمهيد ومن هذا المعنى ما رواه محمد بن عمرو بن علقمة عن أبيه عن جده أن رجلا من العرب شاور عمر بن الخطاب في أن يكوي ابنه فقال له عمر لا تقرب ابنك النار فإن له أجلا لا يعدوه ومن ذلك أيضا حديث الشعبي عن جابر حدثني سعيد حدثنا قاسم قال حدثني محمد قال حدثني أبو بكر قال حدثني بن نمير قال حدثني مجالد عن الشعبي عن جابر بن عبد الله قال اشتكى رجل منا شكوى شديدة فقال الأطباء لا يبرأ إلا بالكي فأراد أهله أن يكووه وقال بعضهم لا حتى نستأمر رسول الله صلى الله عليه وسلم فاستأمروه فقال لا يبرأ الرجل فلما رآه رسول الله صلى الله عليه وسلم قال هذا صاحب بني فلان قالوا نعم فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم إن هذا لو كوي قال الناس إنما أبرأه الكي قال أبو عمر قد اكتوى جماعة من السلف الصالح قال قيس بن أبي حازم دخلنا على خباب نعوده وقد اكتوى سبعة في بطنه وقال قيس أيضا عن جرير أقسم على عمر لأكتوين واكتوى بن عمر واسترقى وكوى أبو طلحة أنس بن مالك من اللقوة أيضا وكوى بن عمر ابنا له وهو محرم وكوى الحسن بن علي بختية له قد قال سنامها على جنبها وأمر أن يقطع وتكوى قال أبو عمر رقى رسول الله صلى الله عليه وسلم من العقرب بالمعوذتين وكان يمسح الموضع بماء فيه ملح وكان الأسود يرقى من العقرب بالحميرية‏.‏

باب الغسل بالماء من الحمى

1759- مالك عن هشام بن عروة عن فاطمة بنت المنذر أن أسماء بنت أبي بكر كانت إذا أتيت بالمرأة وقد حمت تدعو لها أخذت الماء فصبته بينها وبين جيبها وقالت إن رسول الله صلى الله عليه وسلم كان يأمرنا أن نبردها بالماء‏.‏

1760- مالك عن هشام بن عروة عن أبيه أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال إن الحمى من فيح جهنم فأبردوها بالماء قال أبو عمر قد أسند حديث هشام بن عروة عن أبيه من أصحاب مالك بن وهب ومعن بن عيسى وروياه عن مالك عن هشام بن عروة عن أبيه عن عائشة وكذلك رواه عبد الله بن نمير وزهير بن معاوية ومحمد بن عبد الرحمن الطفاوي عن هشام بن عروة عن أبيه عن عائشة وقد ذكرنا الأسانيد بذلك عنهم في التمهيد وعن بن وهب وطائفة معهم من رواة مالك عن‏.‏

1761- مالك عن نافع عن بن عمر أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال الحمى من فيح جهنم فأطفئوها بالماء وقد ذكرت الرواية عنهم بذلك في التمهيد‏.‏

وأما معنى الحديث فقد فسرته فاطمة بنت المنذر في روايتها له عن أسماء بأنها كانت تصب الماء بين المرأة المحمومة وبين جيبها كأنها كانت تصبه بين طوق قميصها وعنقها حتى يصل إلى جسدها وذكر بن وهب في صفة الغسل للحمى حديثا في جامعه مرفوعا إلى النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال لرجل شكى إليه الحمى اغتسل ثلاثة أيام قبل طلوع الشمس كل يوم وقل بسم الله وبالله اذهبي يا أم ملدم فإن لم تذهب فاغتسل سبعا قال أبو عمر من فعل شيئا مما في هذين الحديثين أو غيرهما مع اليقين الثابت لم تلبث الحمى أن تقلع إن شاء الله تعالى وقد روى بن عباس عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال إن الحمى من فيح جهنم فأبردوها بماء زمزم رواه أبو جمرة عنه وروى مقسم عن بن عباس أنه كان إذا حم بل ثوبه ثم لبسه ثم قال إنها من فيح جهنم فأبردوها بالماء قال أبو عمر تأويل بن عباس حسن أيضا إن شاء الله عز وجل وقد ذكرت إسناد الحديثين عن بن عباس في التمهيد وروى مقسم عن بن عباس أنه كان إذا حم بل ثوبه ثم لبسه ثم قال إنها من فيح جهنم فأبردوها بالماء قال أبو عمر تأويل بن عباس حسن أيضا إن شاء الله عز وجل وقد ذكرت إسناد الحديثين عن بن عباس في التمهيد‏.‏

باب عيادة المريض

1762- مالك أنه بلغه عن جابر بن عبد الله أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال إذا عاد الرجل المريض خاض الرحمة حتى إذا قعد عنده قرت فيه أو نحو هذا قال أبو عمر حديث جابر هذا محفوظ عن النبي صلى الله عليه وسلم من رواية أهل المدينة وفي فضل العيادة آثار كثيرة عن النبي صلى الله عليه وسلم سوى حديث جابر هذا رواها عنه جماعة من الصحابة منهم علي وبن عباس وأبو أيوب وأبو موسى وعائشة وأنس وأبو سعيد الخدري وثوبان وذكرنا منها في التمهيد حديث جابر خاصة من طرق منها ما حدثنا خلف بن قاسم قال حدثني عبد الله بن محمد بن ناصح قال حدثني أحمد بن علي بن سعيد القاضي قال حدثني يحيى بن معين قال حدثني هشيم قال حدثني عبد الحميد بن جعفر عن عمر بن الحكم بن ثوبان عن جابر بن عبد الله قال قال رسول الله صلى الله عليه وسلم من عاد مريضا لم يزل يخوض الرحمة حتى يجلس فإذا جلس انغمس فيها وكذلك رواه بن أبي شيبة عن هشيم بإسناده ولفظه سواء ورواه الواقدي عن عبد الحميد بن جعفر عن عمر بن الحكم عن جابر عن النبي صلى الله عليه وسلم فقال حتى إذا قعد استقر فيها‏.‏

وحدثني سعيد وعبد الوارث قالا حدثني قاسم قال حدثني بن وضاح قال حدثني أبو بكر قال حدثني أبو معاوية عن الأعمش عن الحكم عن عبد الرحمن بن أبي ليلى قال عاد أبو موسى الحسن بن علي وكان شاكيا فقال له علي أعائدا جئت أم شامتا قال بل عائدا فقال علي أما إذا جئت عائدا فإني سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول إذا عاد الرجل أخاه المسلم مشى في مخرفة الجنة حتى يجلس فإذا جلس غمرته الرحمة وإن كان غدوة صلى عليه سبعون ألف ملك حتى يمسي وإن كان ممسيا صلى عليه سبعون ألف ملك حتى يصبح وهذا حديث حسن صحيح ثابت الإسناد شريف المعنى رفيع - والحمد لله كثيرا‏.‏